د. محمد بن موسى العامري
يتفق اليمنيون بمختلف توجهاتهم ، على ضرورة استعادة الدولة ومؤسساتها وإنهاء الإنقلاب والتمرد الحوثي ، الإيراني ، وعلى أن اليمن لم تعرف كارثةً قد ألمّت بها ، كهذه التي أتت على الأخضر واليابس ، وأهلكت الحرث والنسل، وعاثت في الأرض فساداً ، ويتفق العقلاء كذلك على أنه قد ساعد على تقوية باطل هذه الطائفة الحوثية في ظلمهم فئام ، يمثلون وجهاً آخر لخدمة الحوثيين – بمكر ودهاء أو بجهل وغباء – والمحصلة واحدة.
وبناء على ذلك شاركوهم في جرائمهم ما بين مقل ومستكثر ، ومن واجب البيان كشف حقيقة هؤلاء الأعوان المتخادمين لما لهم من آثار في إطالة هذه النكبة في اليمن ومن ذلك الآتي :-
أولاً :- سياسة الغباء
وهم الذين مكثوا دهراً يرقعون للحوثيين ويحسنون الظن بهم ، و يحسبونهم على شئ من معاني الوطنية ، أو الذين دفعوا بهم وساندوهم لمواجهة خصوم سياسيين أو توجهات دينية مناقضة لهم ، فذهبوا لذلك يعاضدونهم ، ويظاهرونهم ، ويسوغون لهم أفعالهم الشنيعة ، ومن هذا القبيل أولئك الذين بتروهم عن تاريخهم المظلم ومراحل تكوينهم ، أو بعد تمردهم وانقلابهم ، وآخرون اعتبروهم حركة سياسية محضة ، دون اعتبار لخلفياتهم الطائفية وجذورهم العقائدية ، وقارنوهم بمكونات سياسية أخرى ، فقللوا من خطورتهم ، وشيطنوا مخالفيهم لمآرب سياسية ومنافسات حزبية ، ولم يزل ذلك ديدنهم حتى شايعوها وتمادوا في خدمتها ، وهم في ذلك درجات ، فمنهم من تحوث وتلوث بهم ، وأصبح منخرطاً في ضلالاتهم ، ومنهم المشايعون لهم خوفاً وطمعاً ، ومرد هذه الغشاوة المفرطة عند هؤلاء إلى ضغائن متراكمة ، أو مصالح وأطماع أعمت بصائرهم ، وأسندت لهم إلى حين أو أنهم قد استمرأوا الذل والهوان فارتضوا لأنفسهم هذه العبودية المهينة فلم يعودوا يتعظون ولا يستفيدون من دروس الماضي ولا ممن سبقهم قريباً من الذين تحالفوا مع الحوثيين وأمدوهم ، فكانت عاقبتهم وخيمة على أيديهم .
ثانياً :- التدين السطحي
وأصحابه هم الذين خدعوا بشعاراتهم الخمينية التي ، يهتفون بها صباحاً ومساء – كما خدع الذين من قبلهم – وصدقوهم في ذلك ، واعتقدوا فيهم الديانة على ميراث أهل البيت ! وأنهم جماعة قدسية ذات طهر ونقاء تماماً كما فتن كثير من الناس في أحقاب مضت بفرق الباطنية والقرامطة ، ونحوهم من الزنادقة الذين جعلوا من التشيع مدخلاً وستاراً للطعن في الإسلام وأهله وأحكامه وتعاليمه .
وحيث لم يحط هؤلاء علماً بالطوائف والفرق المخالفة لمنهج الإسلام الصحيح فقد توهموا قربهم من جوهر الإسلام الصحيح ، بينما حقيقتهم جارودية مغالية ، وكثير من رموزهم قد تجعفروا تحت تأثير روافض طهران وملالي لبنان ، وبخاصة الأمنيون وأهل المال والشوكة فيهم ، ولا أدل على ذلك من محاربتهم لجميع المدارس القرآنية والمراكز العلمية بما في ذلك بعض المساجد والمراكز الزيدية التقليدية ، التي لم تنخرط في المشروع الجعفري الإيراني ولهذا فقد زهد الحوثيون في مجمل كتب الزيدية التقليدية وحذروا منها ، وفرضوا على أتباعهم ملازمهم التي جعلوها أصولاً لحشو عقول أتباعهم بها ، وتخلصوا من كل فكر مناوئٍ لهم مهما خدمهم ، فضلاً عن من خالفهم ، وحصلت تصفيات واغتيالات ، قامت أجهزتهم الأمنية والقضائية بالتغطية والتستر على منفذيها بحق رموز هاشمية زيدية كان لهم رؤيتهم المختلفة من التغول الإيراني في اليمن كأمثال شرف الدين ، وجدبان ، وحسن زيد ، وغيرهم .
والمراد أن كثيراً من أرباب التدين السطحي في مختلف التوجهات في مناطق النفوذ الحوثي ، قد خدعوا بهم وذهب بعضهم الى مناصرتهم والدعوة الى طاعتهم وتسليم الأمر لهم وكثير منهم شايعوهم بدوافع عنصرية وسلالية – وإن خالفوهم مذهبياً ، وذلك لطغيان العصبية العنصرية التي أنعشها الحوثيون على المذهبية فخدموهم لينالوا من الحظوة والوجاهات والجبايات والأموال المغتصبة في ظل انتفاشتهم .
ومن الغباء والتسطيح ما يقع فيه بعض أهل السنة من الشافعية وغيرهم من تصديق أكذوبة التعايش معهم ، بناء على مساحة هامشية يتركها الحوثيون لهم ، ليتحركوا من خلالها ، إلى حين يقلبون لهم ظهر المجن متى ما قضوا مرادهم ،
ثالثاً :- التطرف والغلو .
منذ فترة طويلة والحوثيون يسوقون أنفسهم لدى الجهات الدولية على أنهم أدوات لمحاربة التطرف والإرهاب بينما هم في الأصل – وأعمالهم شاهدة عليهم ، – عين التطرف ومنبت الإرهاب ، ومع ذلك فإنّ هذا لا يمنعنا من القول: إن تيارات الغلو – كداعش والقاعدة – قد خدمت الحوثيين والإيرانيين وقدمت لهم مبررات لا يحلمون بها كما حصل في العراق، وسوريا، وقد بات مكشوفاً للعيان مدى تخادم أهل الغلو مع الحوثيين – عمداً أوجهلاً – ومن المؤكد قطعاً أن نافذين في تيارات الغلو والتطرف قد رعتهم إيران واحتضنتهم بأسرهم وقد أصبح لديهم ارتباطات وثيقة بالمحور الإيراني الذي مد حباله لمجاميع من التيارات الغالية لأسباب من أهمها –
١- تشويه دعوة المسلمين السنة في العالم وتنفير الناس عنها ، و تصويرها للرأي الخارجي على أنّها بيئة وحاضنة للعنف والإرهاب – كداعش والقاعدة – للحيلولة من انتشار الإسلام في الغرب على وجه الخصوص من جهة ولاستدرار الدعم والإسناد الغربي والعالمي – لدوافع صليبية كنسية – ولصالح الأجندة الشيعية الإيرانية في المنطقة من جهة أخرى .
٢- استقطاب جمهور المسلمين السنة البسطاء الى صفهم ونشر التشيع في أوساطهم مستغلين ما تقوم به جماعات العنف والتطرف من الأعمال المنافية للإسلام كما يحصل في مناطق آسيوية وإفريقية وغيرها .
٣- تسخير وتوظيف أعمال هذه التيارات المنحرفة السالكة طريق الخوارج وتكفير المسلمين لضرب السنة وشيطنتهم والصاق تهم التطرف والإرهاب بهم للتغطية على الإرهاب والتطرف الشيعي الإيراني وأذرعته في المنطقة .
رابعاً :- التطرف الليبرالي العلماني .
وعلى ذات السياق تكاثرت في اليمن منذ تمرد الحوثيون ظاهرة العلمانية المتطرفة المجاهرة ، يسوقون أنفسهم ، لبيع الدين بالدنيا ، واستغلالاً لغياب الدولة، والإفلات من سطوة النظام والقانون ، في ما يخص الثوابت الدينية والوطنية واحترام شعائر الإسلام الظاهرة ومصدريه ، القرآن الكريم وصحيح السنة النبوية ،فعمدت هذه الفئات الى التشكيك في محكمات الدين وثوابتة والترويج للإلحاد والإستخفاف بالمقدسات عند المسلمين عموماً واليمنيين خصوصاً ، ونالوا من جناب الرسول عليه الصلاة والسلام والقرآن ودعائم الإسلام والصلاة والصيام والحج وبقية الشعائر والجنة والنار والتشكيك وتصويب التعبد بغير دين الإسلام ،
وكلها مسارات – عند التأمل والتدقيق – تؤول إلى خدمة المشروع الحوثي الإيراني وتتناغم معه ، وبعضهم كان من رموز الحوثة ثم غيروا جلودهم لأدوار جديدة من شأنها تهيئة الأجواء لقبول حركة الحوثيين اجتماعياً وتقديمهم محافظين على الدين ، والفضيلة .
وبهذا فإن دعاة العلمنة ومتطرفيها وما يقومون به من الاستهتار والعبث بعقول الناس من هدم أركان الفضيلة والأسرة ونسف الشيم و العادات اليمنية الحميدة ، يحدثون فتناً وتصدعات ويقدمون قربات لصالح المشروع الحوثي الإيراني ، لجعله خياراً مقبولاً لدى الشعب اليمني مقارنة بهذا الإسفاف ، الذي تستغله مليشيا الحوثي لدى عامة الشعب اليمني لما فيه من الاستطالة على عقيدة الشعب وأخلاقه وقيمه تماماً كما يدفعون ببعض متطرفي المتقيلة للشطط والغلو لذات الأهداف .
ومن المؤكد أن ذلك لم يكن عفوياً ولا من قبيل المصادفات أن يتم ذلك في فترة تعديات المليشيا الحوثية على الشعب اليمني وسطوها على مؤسسات الدولة وفي ظروف تتطلب من الجميع أن يكونوا في خندق واحد أمام عدوانها ما يعني أن هذه التوجهات الإلحادية أوكثيراً منها قد نجمت عن تدابير وأجندات متخادمة تحت تأثير وتمويل وإشراف جهات لها رغبة في حرف البوصلة عن جرائم مليشيا الحوثي والهاء الشعب بعضه بعض وفتح صراعات بينية لمصلحة التمكين للمشروع الايراني في اليمن .
خامساً :- ترسيخ العداوات
العداوات والشقاق أو التفرق والتنازع كلها مفردات مذمومة شرعاً وعقلاً وعرفاً ، ( تَحْسَبُهُمْ جَمِيعًا وَقُلُوبُهُمْ شَتَّىٰ ۚ ذَٰلِكَ بِأَنَّهُمْ قَوْمٌ لَّا يَعْقِلُونَ ) وأهل هذا المسار من أكثرهم خدمة للمشروع الحوثي لما في ذلك من إضعاف اللحمة الوطنية، وزرع بذور التصدعات وخلخلة التماسك الإجتماعي في مواجهة مشروع الحوثي الإيراني يستوي في ذلك دعاة التفرق الطائفي والمذهبي أو الحزبي والسياسي أو المناطقي والجهوي أو الإعلامي أو القبلي والإجتماعي ، الجميع في هذا التفرق مسخرون لخدمة الحوثي وكهنوته سواء كان ذلك على جهة الغباء وخفة العقول أو على جهة التخادم مع الحوثي عبر جهات ترعى مثل هذه المنازعات وتسعى لتقنينها وإدارتها لغرض الإضرار بالوحدة الوطنية والاجتماعية لصالح المشروع الحوثي الايراني .
سادساً :- الفشل و الفساد .
وهؤلاء في حقيقتهم له نصيب وافر من التسبب بالمعاناة وإطالة الفتنة الحوثية في اليمن لأنهم غير جديرين بحمل الأمانة التي أنيطت بهم ومفرطون في ما أسند إليهم وهم كذلك أصناف منها :-
١- صنف لم يكن أهلاً للقيام بالمهمة التي حملها سواء كانت عسكرية أو مدنية وسر عدم أهليته يعود الى صعوده الى المسؤلية فاقداً للمعايير المهنية والتأهيلية وإنما بدوافع ولائية مناطقية أو حزبية أو قبلية ، فلم يكن – والحالة هذه – مستحضراً في ما أنيط به خارطة اليمن الكبير وتنوعاته السياسية والثقافية والاجتماعية وبقي مرهوناً للجهة التي صعد من خلالها وظل يرعى حقوقها ومنافعها على حساب المصالح العامة للوطن فجاءت النتائج متقزمة وعقيمة وكانت في صالح أعداء الوطن .
٢- صنف غابت عنه الرقابة الربانية والرقابة القانونية فذهب يعبث في مهمته آمناً من عقاب الله لضعف وازعه الديني والأخلاقي والرقابة الداخلية وآمنا من التبعات القانونية لغياب مبدأ العقاب والثواب فلا رقابة داخلية قلبية ولا خارجية لا زواجر القرآن ولا سطوة السلطان .
٣- صنف أحبط لما يرى من حوله من كثرة الفاشلين والفاسدين فاختار أن يجاري هؤلاء ويتعايش معهم وشيئاً فشيئاً تطبع بأخلاقهم وفي أحسن الأحوال ترك الإحتساب عليهم ، خوفاً من مكايداتهم ودسائسهم،
إنّ خير ما يقدمه الناس لأعدائهم هو توسيد الأمر إلى غير أهله وضياع الأمانة واختيار الفاشلين وتولية الفاسدين وعلى النقيض من ذلك فإن إسناد الولايات الى الصادقين والناصحين لأوطانهم هو سر النجاح وأساس الفلاح في كل مجتمع ليكونوا فيه القدوة والنموذج الأمثل فيحاكيهم من تحتهم والناس تبع لولاتهم ومسؤليهم في كل زمان ومكان .
سابعاً :- اليأس والإحباط
ويتصل بالوجه الاخر لمن يخدمون مشروع الحوثي تفشي حالة اليأس والقنوط – بسبب الحرب وطولها والأوضاع الإقتصادية المتردية التي ولدت مجاميع من المحبطين والمرجفين يكثرون من الشكوى والنجوى ، و يطيرون بكل خبر يسر العدو ويصب في مصلحته ويحجمون عن كل خبر لصالح الشعب والوطن ليس لهم هم سوى تتبع المثالب والعيوب للشرعية ورجالها ولمن يقف إلى جانبها من الأشقاء وينشرون ذلك صحيحه وباطله صدقه وكذبه سماعون لهم نقالون لإفكهم غير واعين ولا مدركين لأبعاد المعركة ومتطلباتها وما يحسن قوله ، وما لايقال تارة يقعون في القيادات السياسية ظلماً وبهتاناً وتارة في العسكرية ينشرون ما هب ودب فهم جنود مع الباطل وسُخْرة له ولم يسلم من أذاهم حتى المرابطون في الثغور والواقفون سداً منيعاً في ميادين الشرف والبطولات وتارة يوجهون سهامهم إلى من يسانداليمن ، فلايفرقون بين عدو وصديق ولابين قريب وبعيد ولابين ظهير ومغير وهكذا يخبطون خبط عشواء يشككون في كل خير يقدم لليمن من حلفائها ويجحدون كل معروف يقدم لها كل ذلك يتطوعون به خدمة لأعداء الوطن من الحوثيين وأشياعهم وزعماً منهم أنهم ينطقون بالحق ويكاشفون بالحقائق ويقفون على الحياد، وبعضهم أو كثير منهم مرتبطون بجهات تمول هذا الإرجاف ويكثر هذا في صفوف بعض الناشطين السياسيين والإعلاميين وما يطلق عليهم مجاميع الذباب الإلكتروني والذين لا يقعون إلا على الجروح كما يقع الذباب على الأذى .
وقد فرق الناس قديماً بين النصيحة والفضيحة والتشهيير والتعيير وفي الكتاب العزيز إشارات لبعض هؤلاء ( وَفِيكُمْ سَمَّٰعُونَ لَهُمْ ۗ ) و( لَوْ خَرَجُواْ فِيكُم مَّا زَادُوكُمْ إِلَّا خَبَالًا وَلَأَوْضَعُواْ خِلَٰلَكُمْ يَبْغُونَكُمُ ٱلْفِتْنَةَ )..
ولايعني ذلك التبرئة من الأخطاء والاختلالات لهذه الجهة أوتلك أو الدعوة لعدم التقييم وإصلاح الإعوجاج وتصويب العلاقات فهذا شي آخر والنصح والتقويم والتسديد مطلوب من الجميع ومن يريد النصيحة والتقويم فسيسعى الى تقديمها بانجح السبل وأقومها ولن يعدم من طريقة لإخراجها مخرجاً حسناً مفيداً وإنما المقصود أولئك الذين لم يقدروا للمعركة قدرها ولم يفرقوا بين أقوال وأفعال تخدم الأعداء وأخرى تسدد وتقارب.
وماذا بعد ؟
يجب أن تكون مرحلة التشكل الجديدة المتمثلة في المجلس القيادي الجديد برئاسة الدكتور رشاد العليمي – وفقه الله – محطة فارقة بعد هذه السنين العجاف
وهذا ما دفع كثيراً من الناس – وأنا منهم – الى الاستبشار والتفاؤل بأن ما بعد اليوم غير ما قبله لما أعرفه من حنكة القيادة الجديدة ، وجديتها في بناء مؤسسات الدولة ، مع إلمامها بالواقع المحلي والدولي والتحلى بروح المسؤلية والوطنية التي تجعلنا نتطلع إلى سياسة جديدة وإصلاحات جذرية في مستقبل الأيام يأتي في أولوياتها ترسيخ مؤسسات الدولة في المناطق المحررة والعمل على تحرير اليمن كاملاً تحت سلطة الدولة ونظامها الجمهوري ثانياً .
وكل ذلك يتطلب من الجميع ضرورة الاصطفاف الشعبي والرسمي والسياسي خلف القيادة الجديدة لغرض التسديد والعمل على تثبيت دعائم الدولة العادلة والنأي عن الاختلالات السابقة وتصحيح مسار الشرعية والعمل بروح الوطنية الجامعة المتجافية عن المصالح الضيقة لصالح المشروع الوطني الجامع مع الحذر من الوقوع في مشاريع التفخيخ التي نصبتها مليشيا الحوثي بوجوهها المتعددة ومن يقف خلفها من التوجهات الإقليمية والدولية ،
والله يهدي من يشاء .
( قَالَ رَبِّ بِمَا أَنْعَمْتَ عَلَيَّ فَلَنْ أَكُونَ ظَهِيرًا لِّلْمُجْرِمِينَ )
من صفحة الكاتب فيسبوك